Admin الـــمـــديـــــر الـــــعــــام
المساهمات : 213 تاريخ التسجيل : 06/11/2008
| موضوع: الجرح والتجريح (خطر تجريح العلماء ) الجمعة نوفمبر 07, 2008 12:29 pm | |
| الحمد لله الذى أمر عباده بالقسط والعدل بين الناس فقال "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" وصلى الله على الحبيب محمد صلىالله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وأوفرهم أدباً وأعدلهم حكماً. وبعد.
فقد صارت هذه العبارة "الجرح والتجريح" عبارة مألوفة لا تصحيف فيها، فبعض شباب أمتنا لم يعد يعرف "الجرح والتعديل" الذي هو علم اختص به ثلة من علماء الأمة من أولي الفضل والعلم والتقى ولم يكن بابه يوماً مفتوحاً لعموم العلماء فضلاً عن عوام المسلمين .
عندما كنا صغاراً، كنا نتمتع أيما تمتع بنصب الفخاخ للطيور، نحضر لذلك ونعد العدة، نختار المكان والزمان في انتظار تلك الطيور، ثم نحاول توجيهها نحوالمصيدة، فإذا ما ابتعدت عنها بلغ منا الحزن مبلغه، أما إذا اقتربت أكثر فأكثر، ابتهجنا وانتشينا حتى إذا ما وقعت في المصيدة سررنا لذلك أيما سرورولقد كان وقوع الطير في الفخ أحب إلينا من الطير نفسه.
ذكرتني هذه الذكريات الطفولية بحال بعض شباب الأمة اليوم، فهم يلعبون نفس اللعبة يتمتعون بها أيما تمتع، فهم لا يفترون عن نصب الفخاخ والمصائد يحيطون ببعض العلماء إحاطة السوار بالمعصم، يبدأون بإعداد المصيدة والفخ لذلك العالم، يسألونه، فإذا أجاب بالعموم خصصوا وإذا أطلق قيدوا، فإذا ابتعد في إجابته امتعضوا ووجموا ولم ينشروا ما سمعوا. أما إذا أجاب بما أرادوا انتعشوا وانتفشوا وأذاعوا ما سمعوا ورأوا أن ذلك من فروض الأعيان.
هكذا طريقتهم، كحاطب ليل، تجميع شتات من هنا وهناك، وطعن في هذا وذاك، وحجر على عقول أبناء الأمة، بل أيضاً على أرحامها، فهى لم تنجب، حسب زعمهم، من العلماء إلا فلان أو فلان، أما غيرهم فهم يطالهم قانون الجرح والتجريح. عندما يتكلم غير هؤلاء العلماء لا بد من الدليل ودليل الدليل، أما فلان وفلان فقولهم فصل، يقبل دون جدل أو نقاش للدليل. سبحان الله، منطق أعوج وفهم سقيم أصيب به بعض أبناء الأمة.
إن اتهام جُل الأمة وقبل ذلك جُل علمائها بالبعد عن الهدى واتهامهم بالضلال وإقصاءهم عن أهل السنة والجماعة لمأساة حقيقية. إن هذه الأمة المكلومة لفى مسيس الحاجة لجرعات ترد إليها أنفاسها، وليست في حاجة إلى طعنات قاتلة فى الخاصرة. لقد ظلت عقيدة الأسلام هى النفس الأخير الذى، بفضل الله، حمى هذه الأمة من الإجهاز عليها فكيف بها عندما يخرج من شبابها من يشككها فى معتقدها.
إن عقيدة الأمة بخيرلا نطعن في أي من علمائها لخلاف اختلفوه أداه إليه إجتهادهم الذى هو حق اكتسبوه بفضلهم وجهدهم وعلمهم. وإنه لمن المضحكات المبكيات أن تكون هذه صورة دعوتنا وأن يكون شغلنا الشاغل جرجرة خلافات قديمة وإشغال الشباب بها وننسى أو نتناسى أحوال أبنائنا وبناتنا وشبابنا، كيف نحفظ عليهم دينهم وكيف نردهم إليه رداً جميلا، كيف ننقذ هذا العالم الحائر التائه الذي انحط بانحطاط المسلمين وعاد إلى سيرته الأولى قبل الإسلام .
فلننطلق إلى العمل والاجتهاد والتفوق والحرص على دين إخواننا وأخواتنا، يحث بعضنا بعضاً على الخير والتفوق والتميز فى كل المجالات حتى نعكس الصورة الناصعة لهذا الدين العظيم ولنترك المسائل الشرعية الدقيقة لعلماء الأمة التى لم يخلو منهم عصرأومصر وإن من فضل الله على هذه الأمة أن الأرحام فيها لاتنقطع عن إنجاب العلماء، فهى أمة ولود ودود، نسأل الله أن يكثر من علمائها وأن يزرع الود بينهم وأن يحفظهم من بطانة السوء.
وأخيراً ، فيا علماء الإسلام حفظكم الله ورعاكم أجمعين . احفظوا شباب الأمة من الشقاق والخلاف واحذروا مصائد بطانة السوء فإن مصائدهم لا تكاد ترى أحياناً.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله - س /ما رأي فضيلتكم فيمن صار ديدنهم تجريح العلماء وتنفير الناس عنهم والتحذير منهم، هل هذا عمل شرعي يثاب عليه أويعاقب عليه ؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أن هذا عمل محرّم، فإذا كان لا يجوز لإنسان أن يغتاب أخاه المؤمن وإن لم يكن عالماً فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين؟!
والواجب على الإنسان المؤمن أن يكف لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين. قال الله تعالى: "ياأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ". وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى أنه إذا جرّح العالم فسيكون سبباً في رد ما يقوله هذا العالم من الحق، فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرّح العالم، لأن جرح العالم في الواقع ليس جرحاً شخصياً بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء ، فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي عندهم وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ لا يثقون بشئ من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جُرح. ولست أقول إنّ كل عالم معصوم؛ بل كل إنسان معرّض للخطأ، وأنت إذا رأيت من عالم خطأ فيما تعتقده، فاتصل به وتفاهم معه، فإن تبيّن لك أن الحق معه وجب عليك اتباعه، وإن لم يتبين لك ولكن وجدتَ لقوله مساغاً وجب عليك الكف عنه، وإن لم تجد لقوله مساغاً فحذر من قوله لأن الإقرار على الخطأ لا يجوز، لكن لا تجرحه وهو عالم معروف مثلاً بحسن النية، ولو أردنا أن نجرح العلماء المعروفين بحسن النية لخطأ وقعوا فيه من مسائل الفقه، لجرحنا علماء كباراً، ولكن الواجب هو ما ذكرتُ ، وإذا رأيت من عالم خطأ فناقشه وتكلم معه، فإما أن يتبين لك أن الصواب معه فتتبعه أو يكون الصواب معك فيتبعك، أو لا يتبين الأمر ويكون الخلاف بينكما من الخلاف السائغ، وحينئذ يجب عليك الكف عنه وليقل هو ما يقول ولتقل أنت ما تقول. والحمد لله، الخلاف ليس في هذا العصر فقط، الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا . وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصر انتصاراً لقوله وجب عليك أن تبين الخطأ وتنفر منه، لكن لا على أساس القدح في هذا الرجل وإرادة الانتقام منه؛ لأن هذا الرجل قد يقول قولاً حقاً في غير ما جادلته فيه. فالمهم أنني أحذر إخواني من هذا البلاء وهو تجريح العلماء والتنفير منهم، وأسأل الله لي ولهم الشفاء من كل ما يعيبنا أو يضرنا في ديننا ودنيانا) أ.هــ المرجع: كتاب العلم ، للشيخ محمد العثيمين- رحمه الله- ص 220 . | |
|